الأحد 11 مايو 2025
الرئيسية - أخبار الخليج - ما الاستراتيجية الامريكية المطلوبة لـ إزاحة الحوثيين؟ - [ترجمة خاصة]
ما الاستراتيجية الامريكية المطلوبة لـ إزاحة الحوثيين؟ - [ترجمة خاصة]
الساعة 10:43 مساءً (بوابتي - فورين أفيرز - ترجمة خاصة)

بعد سبعة أسابيع ونصف من الضربات الجوية الكثيفة على أكثر من ألف هدف مختلف، انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن بشكل مفاجئ، تمامًا كما بدأت. ففي 6 مايو، وخلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أعلن الرئيس دونالد ترامب ببساطة أن الحوثيين المدعومين من إيران "لا يريدون القتال بعد الآن"، وأن الولايات المتحدة ستأخذ "كلامهم على محمل الجد" و"توقف القصف". وأكّد وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي عبر منصة "إكس" أن بلاده توسطت في اتفاق وقف إطلاق نار بين واشنطن والحوثيين، يقضي بعدم استهداف أي من الطرفين للآخر. وعلى الرغم من الهجمات الفعالة التي شنها الحوثيون على الشحن الدولي في البحر الأحمر واستمرارهم في مهاجمة إسرائيل، فإن الاتفاق لا يقيّد صراحةً تحركات الحوثيين ضد أي دولة سوى الولايات المتحدة؛ ويُلاحظ غياب إسرائيل والسفن "المرتبطة بإسرائيل" — وهو مصطلح فسّره الحوثيون سابقًا بشكل واسع — عن بنود الاتفاق.

وما يثير الاستغراب في إعلان البيت الأبيض هو أن موقف الحوثيين لم يتغير فعليًا منذ بداية حملة القصف الجوي التي أطلقتها إدارة ترامب في 15 مارس. ظاهريًا، شُنت عملية "راكب خشن" (Rough Rider) — كما أُطلق عليها — بهدف استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة فرض سياسة الردع على إيران ووكلائها. عند بداية الحملة، كان الحوثيون يستهدفون إسرائيل وسفنًا مرتبطة بإسرائيل — لكنهم لم يكونوا يستهدفون السفن الأميركية — وصرّحوا بأنهم سيواصلون ذلك إلى أن تنهي إسرائيل حربها في غزة. ومنذ انطلاق الحملة الأميركية، كان قادة الحوثيين واضحين في موقفهم: إذا توقفت واشنطن عن القصف، فسيتوقفون عن استهداف السفن الأميركية، لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر. وبعد إعلان ترامب عن اتفاق 6 مايو، كرر المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام هذا الموقف. وبعبارة أخرى، فإن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، والذي جاء بعد عملية عسكرية كلفت أكثر من 2 مليار دولار وزُعم أنها أثّرت بشكل كبير على القدرات العسكرية للحوثيين، لا يفعل في الواقع سوى تثبيت موقف الحوثيين الأصلي. وبينما ادعى ترامب أن الحوثيين "استسلموا"، لا تزال الجماعة متمسكة بسلطتها، بل ووصفَت الاتفاق بأنه "انتصار لليمن".



بالنسبة لإدارة ترامب، فقد وفّر وقف إطلاق النار مخرجًا سريعًا من حملة أصبحت غير قابلة للاستمرار بشكل متزايد. فلم تكن الحملة مكلفة للغاية فحسب؛ بل بدأت تُثير مخاوف بين صناع القرار في واشنطن من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب طويلة جديدة في الشرق الأوسط. ويُعتقد أن هذا السيناريو كان مدفوعًا بنائب الرئيس جي دي فانس وأعضاء الإدارة الميالين إلى الانعزالية، الذين ظلوا متشككين منذ البداية في أي مغامرات عسكرية أميركية خارجية.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخاتمة ستوفّر هدنة كافية تتيح لإدارة ترامب غسل يديها من "المشكلة الحوثية". ولكن إذا تجاهل ترامب الهجمات الحوثية المستمرة على إسرائيل، فهناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن الحوثيين سيتجنبون في الوقت الراهن استهداف الأصول الأميركية. وحتى لو كانت حملة القصف الأميركي قد استمرت، فإن من المرجّح أن الحوثيين كانوا سينجون منها. ومع ذلك، فإن إنهاء الحملة يمنحهم مزايا عديدة. يمكن لقادة الجماعة الآن الادعاء بأنهم واجهوا قوة عظمى وانتصروا، كما أنهم أُعفوا من الضغوط التي فرضها عليهم القصف الأميركي. وبإمكانهم الآن تركيز جهودهم على إسرائيل، التي تخوض حملة جوية عنيفة ردًا على الهجمات الحوثية، بما في ذلك ضربة صاروخية باليستية بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب مطلع مايو. ومن المهم أيضًا أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من غير المرجح أن تدعم واشنطن هجومًا بريًا على الحوثيين من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وهي تحالف داخلي هش من الفصائل المناهضة للحوثيين يسيطر على جنوب وشرق اليمن. ومن المحتمل أن يكون مثل هذا الهجوم البري، إلى جانب الدعم الجوي، هو السبيل الأكثر فاعلية لممارسة ضغط حقيقي على الجماعة وتقليص قبضتها على السلطة — رغم ما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة.

لقد كان من الصواب أن تسعى إدارة ترامب إلى مخرج من حملة جوية مفتوحة ومكلفة بشكل متزايد، لكن الخيار الذي اختارته قد يفضي إلى ضرر أكبر من نفعه. فإذا لم تسارع واشنطن إلى التنسيق مع حلفائها في المنطقة، ولا سيما السعودية، في جهد أوسع للحفاظ على الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي على الحوثيين، فإن الجماعة ستستمر في نشر الفوضى في اليمن وعبر المنطقة. هناك بديل أفضل: من خلال دعم الأمم المتحدة والوسطاء الآخرين مثل سلطنة عمان، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم الدفع باتجاه تسوية سياسية شاملة في اليمن، تسوية يمكنها تقييد القدرات العسكرية والطموحات الإقليمية للحوثيين. قد يبدو هذا المسار صعبًا، لكنه سيكون أقل كلفة بكثير من البدائل المتاحة. ففي غياب هذه الجهود، سيستعيد الحوثيون عافيتهم، وقد يعودون قريبًا ليشكّلوا التهديد الأمني ذاته الذي دفع إدارة ترامب إلى شن حملتها العسكرية في المقام الأول.

"الفارس الخشن"

بدأت الولايات المتحدة ضرباتها ضد الحوثيين لأول مرة في عهد الرئيس جو بايدن، الذي أطلق حملة محدودة من الغارات الجوية في يناير 2024 ردًا على هجمات الجماعة ضد حركة الشحن في البحر الأحمر، وخاصة بعد استهدافها لسفينة حربية أميركية. سعت إدارة بايدن إلى انتهاج استراتيجية محسوبة: هدفها كان الرد على الهجمات الحوثية دون تصعيد النزاع، أو التسبب في سقوط ضحايا مدنيين، أو إثارة تصعيد إقليمي أوسع مع إيران. وعلى النقيض من ذلك، كان ترامب أكثر عدوانية بكثير، إذ انتقد بايدن بشدة واصفًا ردّه على تهديد الحوثيين بأنه "ضعيف إلى حدٍ مثير للشفقة". ويبدو أن إدارته شعرت بالجرأة بسبب ضعف إيران الشديد، إذ إن القوى المتحالفة معها في غزة ولبنان وسوريا قد تضررت بشكل كبير خلال العام الماضي نتيجة حرب إسرائيل ضد حماس وحزب الله، وسقوط نظام الأسد.

ومع ذلك، فقد كانت حملة ترامب أوسع نطاقًا مما كان متوقعًا. فقد شكلت عملية "الفارس الخشن" (Rough Rider) أكبر وأكلف تدخل عسكري لإدارة ترامب حتى الآن. وقد تضمنت أكثر من 1,000 غارة استهدفت مجموعة واسعة من أهداف الحوثيين، بما في ذلك مستودعات الأسلحة، ومرافق القيادة والسيطرة، وأنظمة الدفاع الجوي، والبنية التحتية الحيوية، وقادة الجماعة أنفسهم. ولتنفيذ هذه العملية الطموحة، نشرت الإدارة مجموعتي حاملة طائرات ضاربة، وطائرات مسيرة من طراز MQ-9 Reaper، وقاذفات شبحية من طراز B-2، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي باتريوت وTHAAD.

وإلى جانب تصعيد الغارات الجوية بشكل كبير، صعّدت الإدارة الأميركية الضغط الاقتصادي والسياسي. ففي مارس، أعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، وهو تصنيف يفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مشددة. وقد أدى هذا التصنيف إلى خنق النظام المصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقيّد قدرتهم على استيراد الوقود، كما جعل من تنفيذ اتفاق مقترح برعاية الأمم المتحدة – كان يتم التفاوض عليه قبل بدء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر – أمرًا مستحيلًا. وكان تنفيذ هذا الاتفاق، المدعوم من حلفاء واشنطن في الخليج، سيؤدي إلى وقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية لتحديد ترتيبات تقاسم السلطة في اليمن. كما وعد الاتفاق بمكاسب اقتصادية كبيرة، من بينها آلية لدفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين. وبالنظر إلى محدودية الموارد في اليمن، فإن تنفيذ ذلك كان سيحتاج إلى دعم مالي خارجي كبير، لكن تصنيف واشنطن للحوثيين كمنظمة إرهابية جعل أي تحويلات مالية إليهم جريمة، مما أجهض هذا الجانب من الاتفاق.

وقد مارست الإجراءات الأميركية ضغطًا فعليًا على الحوثيين. فبحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، انخفضت نسبة إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية ضد أهداف إسرائيلية وأميركية بنسبة 87%، كما تراجعت هجماتهم بالطائرات المسيّرة بنسبة 65%. كما أجبرت الضربات الأميركية معظم قيادات الجماعة على الاختباء وأبطأت من اتصالاتهم الداخلية. وبدورها، كثّفت أجهزة الأمن الداخلي التابعة للحوثيين من حملات الاعتقال بحق يمنيين يُعتقد أنهم يزوّدون أطرافًا خارجية بمعلومات عن مواقع الأهداف المحتملة.

كما أحدثت الضربات الأميركية تحولًا مؤقتًا في حسابات الجماعة العسكرية. فعلى سبيل المثال، وبعد تصنيفهم كمنظمة إرهابية، حاول الحوثيون السيطرة على حقول النفط والغاز في محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء — وهي موارد استراتيجية كان من شأنها التخفيف من تأثير التصنيف الإرهابي. لكن الحملة الجوية الأميركية أخّرت هذا الطموح مؤقتًا. ولو تحقق، لكان سيعزز من موارد الحوثيين ويمهّد الطريق لهجمات جديدة على محافظات منتجة للنفط في الجنوب والشرق، الخاضعة حاليًا لسيطرة الحكومة اليمنية.

وقبيل اتفاق وقف إطلاق النار في 6 مايو، رفعت الضربات الجوية من سقف توقعات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بالحصول على دعم أميركي وإقليمي لشنّ هجوم بري جديد لاستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. وقد كثّف المسؤولون اليمنيون اتصالاتهم مع واشنطن طلبًا للدعم، مدركين أن الفرصة قد لا تتكرر، وأنه إذا لم يستغلوها، فسيتمكن الحوثيون من توظيف "الانتصار" المتمثل في صمودهم أمام حملة عسكرية أميركية لتعزيز موقفهم أكثر. وكان التهديد بشنّ عملية برية مصدر قلق بالغ لقادة الحوثيين، الذين يصفون أي معارض داخلي بأنه عميل لـ"العدوان الإسرائيلي-الأميركي".

اختبار التحمل

لكن حملة الضغط التي قادها ترامب كانت لها حدود، وبدأت تظهر خلال بضعة أسابيع. فقد نفذت القوات الأميركية ضربات شبه يومية ضد أهداف حوثية باستخدام كميات هائلة من الذخائر، وادعى البنتاغون أنه قتل قادة بارزين من الحوثيين. ومع ذلك، لا توجد أدلة تُذكر على أن أعضاء القيادة العليا للجماعة قد تم تصفيتهم؛ فالقيادة الداخلية لا تزال قائمة. والأهم من ذلك، أن قدرة الجماعة على استهداف أهداف أميركية وإسرائيلية لا يبدو أنها تراجعت بشكل كبير. من جهتها، تزعم الجماعة أنها أسقطت ما لا يقل عن سبع طائرات أميركية مسيّرة من طراز "ريبر" (Reaper)، تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، وذلك منذ مارس. وفي 28 أبريل، فُقدت مقاتلة أميركية تبلغ قيمتها 60 مليون دولار في البحر عندما اضطرت حاملة الطائرات التي كانت تقلها للقيام بمناورة حادة لتفادي نيران الحوثيين. وفي أوائل مايو، نجح الحوثيون أيضاً في إطلاق صاروخ اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب بالقرب من مطار تل أبيب، مما أدى إلى رد إسرائيلي عنيف.

وباختصار، كانت المكاسب التكتيكية الأميركية تتحقق بتكلفة متزايدة ومخاطر جسيمة. إذ أن استمرار العمليات زاد من احتمال مقتل جنود أميركيين—وهو سيناريو من شأنه على الأرجح أن يجر واشنطن إلى عمق الصراع. كما أن الولايات المتحدة كانت تستهلك ذخيرتها بمعدل مقلق. فقد كانت وزارة الدفاع تعاني أصلاً لمواكبة الطلب على الأسلحة، نتيجة التزاماتها السابقة تجاه كل من إسرائيل وأوكرانيا، بالإضافة إلى ضربات إدارة بايدن ضد الحوثيين وجهودها للدفاع عن إسرائيل في مواجهة الهجمات الإيرانية المباشرة. وقد أعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن قلقهم من أن العدد الكبير من الأسلحة بعيدة المدى المستخدمة ضد الحوثيين، إلى جانب نقل كتيبة دفاع جوي من طراز "باتريوت" من قيادة المحيطين الأميركية إلى الشرق الأوسط، قد يُضعف من جاهزية الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات القادمة من الصين.

علاوة على ذلك، كانت الضربات الجوية الأميركية تتسبب بشكل متزايد في إيذاء المدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن، وهو ما سارعت وسائل الإعلام الحوثية إلى استغلاله لصالح الجماعة. على سبيل المثال، أسفرت ضربة أميركية في منتصف أبريل استهدفت ميناء رأس عيسى لتصدير الوقود في الحديدة عن مقتل أكثر من 70 يمنياً، كما قُتل العشرات، بينهم مدنيون، في ضربة مطلع مايو على مركز احتجاز يديره الحوثيون ويضم مهاجرين أفارقة. ويُظهر مسار الحرب الأهلية السابقة أن مثل هذه الحوادث لا تؤدي إلى إضعاف الدعم المحلي للحوثيين: فقد استفادت الجماعة خلال حملة القصف التي قادتها السعودية في 2015 من الضربات التي أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين، حيث استغلتها لتحويل الأنظار عن انتقاداتها وحشد الدعم الشعبي ضد عدو خارجي.

منذ انطلاق حملة ترامب، قال الحوثيون إن بمقدورهم الصمود أمام الضغوط، بل والخروج منها أقوى—كما فعلوا بعد التدخل السعودي في 2015. فلطالما كانت أكبر نقاط قوة حركة الحوثي هي الكفاح المسلح. فبوصفها فرعاً راديكالياً من الطائفة الزيدية، ومع موقفها المناهض بشدة لإسرائيل والغرب، تشكلت الحركة خلال حروبها مع الحكومة اليمنية في العقد الأول من هذا القرن. وقد اعتاد الحوثيون، الذين يتحصنون في المرتفعات الجبلية الوعرة في اليمن، على إخفاء قياداتهم وأسلحتهم لسنوات. كما أن لديهم قدرة هائلة على التحمل في ظل الهجمات وخسارة المقاتلين والعتاد. وعلاوة على ذلك، رغم أن راعيهم الرئيسي، إيران، بات ضعيفاً إلى حد كبير، فقد استطاع الحوثيون تنويع خطوط إمدادهم. ومن خلال تطوير شبكات تهريب أسلحة جديدة تمتد إلى ما هو أبعد من إيران وصولاً إلى القرن الأفريقي، وبناء علاقات انتهازية مع الصين وروسيا، أصبحت الجماعة أكثر صلابة.

وباختصار، على الرغم من أن الحملة الأميركية وضعت الحوثيين تحت ضغط هائل، فإنهم لم يُردَعوا، ناهيك عن أن يُهزَموا، بحلول وقت إعلان وقف إطلاق النار. ففي أوائل مايو، كانت الولايات المتحدة تحقق مكاسب تكتيكية في تدمير الأسلحة والقدرات، ودفع القيادة للاختباء تحت الأرض، وإثارة المخاوف لدى الحوثيين من احتمال شن حملة برية جديدة ضدهم. لكن الولايات المتحدة لم تتمكن من تحويل هذه النقاط إلى مكاسب استراتيجية.

الاستراتيجية الغائبة

من الممكن للولايات المتحدة أن تحد من انخراطها العسكري، وفي الوقت ذاته تدعم مسار تسوية—أو على الأقل احتواء التهديد الحوثي—من خلال العمل مع حلفائها لممارسة ضغط عسكري واقتصادي وسياسي على الجماعة. ولتحقيق ذلك، يجب على صانعي السياسة الأميركيين أولاً التخلي عن الفكرة الخاطئة القائلة بإمكانية فصل ما يحدث داخل اليمن عن ما يحدث في البحر الأحمر أو في المنطقة الأوسع، خصوصاً في الخليج. فقد أعرب كل من فانس ووزير الدفاع بيت هيغسيث عن عدم اهتمامهم بما يجري داخل اليمن. وعلى حد قول فانس، إذا توقف الحوثيون عن إطلاق النار في البحر الأحمر، يمكنهم "العودة إلى فعل ما كانوا يفعلونه قبل مهاجمة السفن المدنية". غير أن المشكلات التي تواجهها واشنطن وحلفاؤها في البحر الأحمر هي في جوهرها نتاج لتوازن القوى الداخلي في اليمن. وبصفتهم قوة مسلحة على نحو متزايد ولا يخضعون للمساءلة، فإن الحوثيين يملكون القدرة على تصدير التهديد خارج حدود اليمن، وسيستمرون في ذلك ما لم يواجهوا قيوداً داخلية حقيقية. ولا تستطيع الولايات المتحدة إدارة السياسة اليمنية المعقدة بدقة، لكنها في الحد الأدنى، يجب أن تمتلك استراتيجية واضحة للتعامل معها.

ولضمان وجود نوع من التوازن في الداخل اليمني، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم لحلفاء الحكومة اليمنية في الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، الضمانات الأمنية اللازمة لمواصلة دعمهم السياسي والعسكري للحكومة. فهاتان الدولتان هما الموردان الرئيسيان للأسلحة والمال لقوات الحكومة اليمنية، لكنهما صرحتا علناً بأنهما لا ترغبان في إشعال الحرب مجدداً. كما أنهما تدركان أنه إذا تقدمت القوات اليمنية ضد الحوثيين على الأرض، فمن المرجح أن الجماعة ستستهدفهما أيضاً—حتى وإن اقتصر دورهما على دعم حلفائهما اليمنيين في الدفاع عن الخطوط الأمامية الحالية. ورغم أن الرياض وأبو ظبي قلقتان من التهديدات الأمنية بعيدة المدى التي يشكلها الحوثيون، فإنهما حريصتان على تحويل تركيزهما نحو الأولويات الاقتصادية الداخلية.

ومن خلال تقديم ضمانات أمنية للرياض وأبو ظبي، فإن واشنطن ستكون في الواقع تتعهد بحماية حلفائها، مما يتيح لهما تعزيز القوات المعارضة للحوثيين داخل اليمن، وبالتالي زيادة فرص التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بشكل متوازن. كما يمكن للولايات المتحدة أن تشجع السعودية والإمارات على تنسيق دعمهما العسكري والسياسي بشكل أفضل لقوات الحكومة اليمنية، والتي غالباً ما تؤدي الخلافات بين هذين الداعمين إلى تفاقم الانقسامات داخلها—على سبيل المثال، النفور الطويل الأمد لأبو ظبي من التعاون مع المقاتلين المرتبطين بالإخوان المسلمين. ويكتسي هذا التنسيق أهمية قصوى، خاصة في ظل خيبة الأمل المتزايدة لدى القوات الحكومية اليمنية من الانسحاب الأميركي، إلى جانب تدهور الأوضاع الاقتصادية والصراعات السياسية الداخلية، مما يهدد بانهيار الحكومة—وهو ما قد يفتح الباب أمام توسع حوثي أو عودة قوية لتنظيم القاعدة في مناطق الحكومة.

يجب أن يكون الضغط على الحوثيين موجهاً نحو هدف واقعي. فلم تكن الحملة الجوية العسكرية خياراً عملياً في أي وقت، ومع وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، يبدو أن الرد العسكري البري بات مستبعداً أكثر فأكثر. وقد يكون التوصل إلى اتفاق مع إيران يتضمن التزامها بوقف تزويد الحوثيين بالأسلحة المتقدمة مفيداً، لكنه لن يكون حلاً سحرياً لاحتواء طموحات الحوثيين. كما أن وقف إطلاق النار في غزة قد يوفر فرصة لاختبار التزام الحوثيين بوقف هجماتهم في البحر الأحمر، والضغط عليهم عبر دبلوماسية متعددة الأطراف منسقة. ومع ذلك، لا توجد حلول سهلة لليمن، ولا بديل عن نهج إقليمي شامل ومنسق.

لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها التركيز على هدف ممكن التحقيق، وإن كان صعباً: التقدم نحو اتفاق ترعاه الأمم المتحدة يوفر ضمانات أقوى لأمن البحر الأحمر، ويحد من تسليح الحوثيين، ويشمل التزامات لتقاسم السلطة داخلياً. ويمكن أن يبدأ ذلك من خلال إعادة تقييم الاتفاق المقترح من الأمم المتحدة والذي كان قيد التفاوض سابقاً—بتقوية بنود وقف إطلاق النار فيه، وتعديل آلية توزيع العائدات المالية لتتوافق مع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، ووضع ضمانات أقوى لدعم اتفاق تقاسم السلطة بين الحوثيين والقوات الحكومية. غير أن تحقيق أي من ذلك سيكون مشروطاً تماماً بقدرة إدارة ترامب على العمل مع حلفاء الخليج واليمنيين للحفاظ على الخطوط الأمامية في اليمن، والاستمرار في ممارسة الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على الحوثيين. فإذا فشلت في دعم صيغة توازن داخلي لتقاسم السلطة، فلن تبقى مشكلات اليمن محصورة داخله.

المتطرفون الجريئون

عندما أوقفت إدارة ترامب حملتها في اليمن، واجهت واقعًا صعبًا: الاستمرار في قصف الحوثيين بهذا المعدل قد يصبح قريبًا غير مستدام ويفتقر إلى الهدف، حتى مع تأثيره السلبي على الاحتياجات العسكرية الأميركية في مناطق أخرى. علاوة على ذلك، فإن الحملة الجوية وتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، بحد ذاتهما، لم يكونا مرشحين واقعيين لحل التهديدات الحوثية لأمن البحر الأحمر ولإسرائيل. وفي الوقت نفسه، فإن دعم الولايات المتحدة لقوات الحكومة اليمنية سيكون محفوفًا بالمخاطر نظرًا للانقسامات الداخلية العميقة في صفوفها، كما أنه يتعارض مع رفض ترامب المعلن للانخراط في "حروب لا تنتهي" في الشرق الأوسط. وربما إدراكًا منه للحاجة إلى الخروج السريع، أعلن ترامب بشكل مفاجئ في السادس من مايو وقف العمليات.

لكن هذا التوقف المفاجئ لا يؤدي إلا إلى تشجيع الحوثيين، على الأرجح مما يزيد من حدة التهديدات الأمنية نفسها التي كانت الولايات المتحدة تسعى لمعالجتها في المقام الأول. فقد بدأ الحوثيون يوجهون أنظارهم نحو إسرائيل، واحتفظوا لأنفسهم بحق استهداف السفن "المرتبطة بإسرائيل" — وهو توصيف غير واضح تمامًا. والأهم من ذلك، أنه حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن الحوثيين، بعد أن أدركوا مدى قوة نفوذهم من خلال احتجاز الشحن البحري في البحر الأحمر كرهينة، قد يُغريهم استخدام هذه الأداة مرة أخرى لتحقيق مكاسب سياسية مستقبلًا. وقد يسعون أيضًا إلى الاستمرار في فرض رسوم عبور على السفن مقابل المرور الآمن عبر مضيق باب المندب، كما فعلوا مع السفن التجارية خلال عملياتهم في البحر الأحمر.

لقد راهن الحوثيون، منذ بداية الضربات، على أنهم سيتمكنون من الصمود أكثر من الولايات المتحدة — وقد فعلوا. والأهم من ذلك، أن وقف إطلاق النار قد بدد آمال اليمنيين في حصولهم على دعم أميركي لحملة برية، وهناك احتمال حقيقي بأن تنهار الحكومة اليمنية — المنقسمة أصلًا — تحت وطأة الضغوط المالية المتزايدة منذ أن أوقف الحوثيون صادراتها النفطية في أواخر عام 2022، وأيضًا نتيجة الشعور العام بأن الحوثيين خرجوا منتصرين. ومثل هذا الانهيار المحتمل للحكومة سيؤدي، على الأرجح، إلى توسع حوثي في الأراضي، أو إلى تمكين تنظيم القاعدة من إحراز مكاسب في جنوب البلاد. أما السعودية، التي أصبحت تشكك أصلاً في موثوقية واشنطن كشريك أمني، فستضطر الآن للتعامل مع حركة حوثية مهزوزة لكنها أكثر جرأة على حدودها الجنوبية.


آخر الأخبار