في خطوة تُعدّ تطورًا نوعيًا في استراتيجية السيطرة الداخلية والتوسع الإقليمي، أعلنت جماعة الحوثي عن تأسيس جهاز أمني جديد تحت مسمى "جهاز أمن الثورة"، بإشراف مباشر من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ليضاف إلى سلسلة الكيانات الأمنية المتنامية التي تكرّس السلطة المطلقة للجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس هواجس الجماعة المتزايدة من البيئة الاجتماعية المحيطة، ومساعيها لتعميق قبضتها الأمنية عبر هيكلة موازية على غرار التجربتين الإيرانية واللبنانية، وسط تصاعد مؤشرات القلق الداخلي.

ووفق تقرير نشره موقع "ديفانس لاين" نقلاً عن مصادر أمنية، فإن الجهاز الجديد سيُناط به تنفيذ مهام استراتيجية تشمل الإشراف العام على أداء الأجهزة الأمنية، وتخطيط وتنسيق عملياتها، ومراقبة تنفيذ السياسات المرتبطة بما يسمى "ثورة 21 سبتمبر" و"الرؤية الوطنية"، مما يمنحه موقعًا مركزيًا يفوق في التأثير الأجهزة القائمة.

وتشير المصادر إلى أن الجهاز سيتولى أيضًا ملفات "الأمن الخارجي والإقليمي"، في توجه يعكس الطموحات الأيديولوجية والعسكرية للجماعة المدعومة من إيران، ويضاهي من حيث الهيكلة والدور وزارة الاستخبارات الإيرانية "الإطلاعات".

ويأتي تأسيس هذا الجهاز ضمن منظومة أمنية واستخباراتية واسعة طوّرتها الجماعة خلال السنوات الماضية، ضمّت أجهزة موروثة من الدولة اليمنية وأخرى مستحدثة، توكل إدارتها لشخصيات موالية من دائرة السلالة الحاكمة في صعدة، ويُنتقى أعضاؤها وفق اعتبارات طائفية وولائية صارمة.

وقد عيّنت الجماعة القيادي جعفر محمد أحمد المرهبي، الملقب بـ"أبو جعفر"، لقيادة هذا الجهاز الجديد. ويُعد المرهبي من أبرز الوجوه الأمنية في الجماعة، وله ارتباطات وثيقة بأجهزة استخبارات "فيلق القدس" الإيراني و"حزب الله" اللبناني.

ويحمل المرهبي سجلاً أمنياً يعود إلى بدايات الصراع، إذ اعتُقل مرتين في مطلع العقد الأول من الألفية بسبب نشاطات حوثية في صنعاء، وأدين بتهم إرهابية عام 2008 قبل أن يُفرج عنه بعفو رئاسي في 2011. لاحقًا، لعب دورًا محوريًا في تأسيس جهاز "الأمن الوقائي" وتقلّد مناصب أمنية وحكومية متعددة، منها منصب وكيل وزارة الإرشاد في حكومة الجماعة عام 2023.

وتفرض الجماعة سرية مشددة على تحركات المرهبي، إلى درجة حذف كل ما يتعلق به من مواد إعلامية على قنواتها الرسمية، بما فيها الوثائقيات التي تنتجها قناة "المسيرة"، وهو ما يعكس حساسية موقعه داخل الهيكل القيادي.

وتجدر الإشارة إلى أن المرهبي يخضع حاليًا لمحاكمة غيابية أمام المحكمة العسكرية بمحافظة مأرب، ضمن قائمة تضم عددًا من قيادات الحوثي المتهمة بارتكاب جرائم إرهابية وانتهاكات جسيمة بحق الدولة والمجتمع.

هذا التوسع الأمني الجديد يطرح تساؤلات عميقة حول الأجندات المستقبلية للجماعة، ومدى استعدادها لتكريس نموذج أمني مستورد، يقوم على القمع والسيطرة، في مواجهة تحديات الداخل وتطلعات الخارج.