شهدت تركيا تطورات سياسية كبيرة وصفها البعض بـ"الزلزال السياسي"، وذلك بعد أن شنت السلطات التركية حملة اعتقالات واسعة طالت رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، المعارض أكرم إمام أوغلو، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المرتبطة به.
وجاءت هذه الاعتقالات في إطار تحقيقات تتعلق بقضايا فساد واتهامات بتشكيل "منظمة إجرامية"، و"الرشوة المنظمة"، و"التلاعب بالمناقصات"، و"الاستحواذ غير القانوني على البيانات الشخصية" في فروع بلدية إسطنبول الكبرى.
في ساعات الفجر الأولى، توجهت قوات أمنية إلى منزل إمام أوغلو في منطقة "ساريير" لإلقاء القبض عليه.
يُذكر أن إمام أوغلو تمكن في الانتخابات السابقة من انتزاع إسطنبول، المدينة الاستراتيجية، من حزب العدالة والتنمية الحاكم لولايتين متتاليتين، مما جعله شخصية بارزة في المعارضة التركية. وخلال هذه الأحداث، نشر إمام أوغلو مقطع فيديو عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، ظهر فيه مرتدياً ملابسه اليومية، واصفاً الاعتقال بأنه "انقلاب ضد إرادة الشعب".
وجاءت هذه التطورات بعد ساعات فقط من إعلان جامعة إسطنبول إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية، بناءً على اتهامات بالتزوير أثناء انتقاله إلى فرع إدارة الأعمال في الجامعة عام 1990 من جامعة غيرنة الأمريكية في قبرص، والتي لم تكن معترفاً بها في تركيا آنذاك.
هذا القرار يمنع إمام أوغلو من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يشترط القانون التركي أن يكون المرشح للرئاسة حاصلاً على شهادة جامعية.
وكان إمام أوغلو قد تقدم بطلب إلى حزب "الشعب الجمهوري" للترشح باسمه في الانتخابات الرئاسية، مما دفع الحزب إلى الإعلان عن انتخابات تمهيدية داخلية في 23 آذار/مارس الجاري، والتي كان من المتوقع أن يخوضها إمام أوغلو بمفرده.
وفي بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، تم وصف إمام أوغلو بأنه "زعيم منظمة إجرامية"، مشيراً إلى أن المخالفات تعود إلى فترة توليه رئاسة بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول قبل عام 2019.
ولفت البيان إلى أن التحقيقات بدأت بعد انتشار ما يُعرف إعلامياً بـ"فيديوهات عد النقود في حزب الشعب الجمهوري"، والتي تم تسريبها للإعلام التركي العام الماضي.
وأشار البيان إلى أن التحقيقات توسعت نتيجة تقرير أعده المفتشون بشأن مخالفات في المناقصات ومشتريات الخدمات، والعقود الوهمية المتعلقة بوسائل الإعلان الخارجية التي أبرمتها بلدية إسطنبول الكبرى والشركات التابعة لها.
ومن بين الشركات التي تم ذكرها في التحقيقات شركات تابعة لبلدية إسطنبول الكبرى، مثل MEDYA A.Ş. وKÜLTÜR AŞ. وKİPTAŞ وİSFALT، والتي يُزعم أنها استُخدمت في عمليات الفساد. وأصدرت النيابة العامة في إسطنبول أوامر اعتقال بحق 100 شخص، من بينهم إمام أوغلو وشخصيات أخرى بارزة، مثل مراد أونغون، مستشار إمام أوغلو ومدير شركة ميديا إنك، وإركان ساتشي، الفنان، ونجاتي أوزكان، الصحفي ومدير حملة إمام أوغلو في الانتخابات المحلية عام 2024، وتونجاي يلماز، المدير العام لإحدى الشركات التابعة للبلدية.
ويُنظر إلى إمام أوغلو في الأوساط السياسية التركية على أنه منافس محتمل للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذي قد يشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا تم إجراؤها قبل الموعد المحدد في عام 2028.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه تركيا حالة من التوتر السياسي، حيث تتصاعد الخلافات بين الحكومة والمعارضة، مما يزيد من حدة الانقسامات في المشهد السياسي التركي.