2025/04/30
عاصفة فوق صعدة: الحوثيون في مواجهة نيران السماء وحصار الإرادة

في قلب العاصفة، وبين دخان الضربات الجوية وهدير الطائرات المسيّرة، لا تزال جماعة الحوثي في اليمن تقف كجدارٍ عنيد، تتحدى حملة عسكرية أميركية لا هوادة فيها بدأت منذ منتصف مارس الماضي، وتهدف لتقويض قدراتها العسكرية وكسر شوكتها السياسية. ومع كل صاروخ يسقط وكل موقع يُدمَّر، يبقى السؤال عالقًا في الهواء: هل تقترب نهاية الحوثيين، أم أن صبرهم أطول من لهب القنابل؟

تقرير نشره موقع "ذا ماريتايم إكزكيوتيف" الأميركي، رصد صورة قاتمة للحملة الأمريكية، التي ورغم دقتها واتساع نطاقها، لم تنجح حتى الآن في إخماد نار الحوثيين، ولا حتى في شل إرادتهم. الهجمات البحرية الحوثية تراجعت بشكل ملحوظ، بحسب بيانات التجارة البحرية البريطانية في دبي، فيما سُجلت آخر محاولة في 15 أبريل، يُعتقد أنها كانت حادثة قرصنة.

رغم هذا السكون المؤقت، لا يعني أن البحر آمن أو أن النيران انطفأت. فالحوثيون ما زالوا يعلنون بين الحين والآخر عن استهداف رمزي، كان أبرزها ادعاؤهم ضرب حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس ترومان" في البحر الأحمر، وهو ما لم تعترف به البحرية الأمريكية، التي قالت إنها لم ترصد شيئًا يدعم هذا الزعم. وبين البحر واليابسة، لا تزال صواريخ الحوثيين تُطل برؤوسها من وقت لآخر، موجهة نحو إسرائيل.

رغم الخسائر، لا يلوح في الأفق ما يدل على انهيار قريب. القدرات الهجومية للجماعة، بحسب التقرير، تعرضت لنكسات واضحة، إلا أن الروح القتالية لا تزال حاضرة، بل وتغذيها مشاهد الحشود الضخمة في شوارع صنعاء، كما حدث في 18 أبريل، وكأن الجماعة ترسل برسالة مزدوجة: "نُقصف من السماء، لكن الأرض لا تزال لنا".

وفي ساحة الرواية، يخوض الحوثيون حربًا من نوع مختلف، يسعون من خلالها لإقناع العالم أن الضربات الأمريكية عشوائية وتستهدف مدنيين. غير أن هذه الرواية سرعان ما تهاوت، خاصة بعد حادثة صاروخ مضاد للطائرات أطلقته الجماعة وسقط بالخطأ على سوق مزدحم في صنعاء القديمة يوم 20 أبريل، مخلّفًا مشاهد مأساوية شكّلت صفعة لخطاب المظلومية الذي تحاول الجماعة ترويجه.

وبينما يتجنب الجيش الأمريكي الانخراط في معارك برية مباشرة، يبدو أن الاستراتيجية المعتمدة ترتكز على الاستنزاف الممنهج للبنية التحتية الحوثية، من ضرب مخازن الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى استهداف خطوط التمويل وقيادات الصف الأول. لكن هذا الضغط ليس بلا ثمن، فالتقرير يشير إلى تحديات لوجستية تواجهها واشنطن، من استنزاف الذخائر إلى كلفة تشغيل طائرات MQ-9 Reaper، التي باتت عين الحرب الأميركية في سماء اليمن.

ومع ذلك، تبدو القيادة المركزية الأمريكية عازمة على المضي قدمًا، لأن المعركة تحوّلت في جوهرها إلى "صراع إرادات". الحوثيون، رغم ما يُعرف عنهم من صمود، لم يكونوا عصيين على التراجع في الماضي، بل إنهم أبدوا استعدادًا للانحناء عندما شعروا أن الأرض تُسحب من تحت أقدامهم.

وختامًا، يلمّح التقرير إلى حقيقة صادمة: التهديد الذي يشكله الحوثيون للملاحة في البحر الأحمر قد لا يُزال بالقصف وحده، بل ربما يتطلب تحولًا سياسيًا عميقًا داخل بنية الجماعة نفسها. فالتاريخ علّمنا أن حتى أكثر الحركات تماسكًا، قد تنهار حين تلامس الخطر الوجودي. وربما، كما في الستينيات، عندما قبل أسلافهم دعمًا بريطانيًا وإسرائيليًا للبقاء، سيتكرر المشهد، تحت وطأة النار… وعزلة القرار.

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://www.bawabatii.net/news327116.html