كشفت باحثة آثار إسرائيلية بارزة عن تفاصيل مثيرة تتعلق باكتشاف قطع أثرية نادرة تعود إلى اليمن، عُثر عليها ضمن مقبرة جماعية قديمة تم اكتشافها مؤخرًا في صحراء النقب، جنوب فلسطين المحتلة.
وقالت الدكتورة تالي إريكسون-جيني، الباحثة الرئيسية في هيئة الآثار الإسرائيلية، في مقابلة مع مجلة Armstrong Institute، إن المقبرة المكتشفة تحتوي على أوانٍ مرمرية يمنية ومجوهرات وقطع أثرية طقسية نادرة، تعود إلى أكثر من 2500 عام.
اكتشاف مفاجئ في قلب الصحراء
يقع موقع الاكتشاف في مفترق طلّليم، جنوب مدينة بئر السبع، حيث عثرت بعثة أثرية إسرائيلية على مقبرة جماعية تضم نحو 60 جثة، معظمها لنساء شابات، إلى جانب مجموعة كبيرة من القطع الغريبة، تشمل أواني من المرمر، مجوهرات، تماثيل صغيرة، أوزان وموازين، ورؤوس سهام.
وأكدت إريكسون-جيني أن الأواني المصنوعة من المرمر اليمني، والتي كانت تستخدم لحفظ التوابل كاللبان والمُر، تشير إلى وجود صلة تجارية وروحية مع جنوب الجزيرة العربية، وتحديدًا اليمن. وأوضحت أن هذا النوع من الأواني لا يُصنع محليًا في النقب، وأنه نادر للغاية، ويُعرف بقاعدة تشبه "خلية النحل".
تمييز الأثر اليمني
وأضافت: "عندما رأيت قطعة إناء المرمر المكسور، عرفت على الفور أنه ليس من العصر البرونزي المبكر كما ظُن في البداية، بل من الألفية الأولى قبل الميلاد، أي الفترة الفارسية أو ما بعدها". وتابعت: "لدينا نماذج مماثلة من هذه الأواني في مواقع نبطية، لكن ندرتها تجعل تمييزها أمرًا يتطلب خبرة متخصصة".
وأشارت إلى أن اللبان والمُر كانا يُجمعان ويُجففان ويُنقلان في هذه الأواني من اليمن إلى الشمال، حيث كانا يستخدمان كبخور في الطقوس الدينية. وتم العثور أيضًا على هاون ومدقة وأغطية تخص تلك الأواني.
إشارات دينية وتجارية من اليمن القديم
وربطت الباحثة بين الاكتشافات الجديدة والنصوص التوراتية، مشيرة إلى ورود إشارات واضحة في سفر إرميا، حزقيال ونحميا إلى تجارة الجنوب العربي. وقالت إن هذا يعزز فرضية أن الموقع كان محطة رئيسية على طريق تجاري يمتد من غزة إلى اليمن، عبر صحراء النقب.
تجارة النساء… وإشارات للطقوس الدينية
واستعرضت إريكسون نتائج التحليل الأنثروبولوجي الأولي للجثث، مشيرة إلى وجود مجموعتين رئيسيتين: نساء شابات تتراوح أعمارهن بين 14 و20 عامًا، ورجال بين 30 و40 عامًا، مع غياب تام للأطفال أو الرضع.
ورجّحت الباحثة أن النساء كنّ ضحايا الاتجار أو الشراء لأغراض دينية أو طقسية، مستندة إلى نقش يمني يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد يتحدث عن شراء نساء من غزة ومناطق أخرى، وربما جرى استقدامهن للعمل في معابد، على غرار ما عُرف في بابل.
رؤوس سهام للعرافة
ومن أكثر الاكتشافات غرابة كان العثور على أكثر من 40 رأس سهم صغير مصنوع من الصوان، لا تُستخدم للصيد أو القتال، بل يُرجّح أنها استُخدمت في طقوس العرافة، بحسب الدكتور جاكوب فاردي، الخبير الذي فحص القطع.
ولفتت الباحثة إلى أن هذه الرؤوس قد تكون وُظفت في طقوس مشابهة لما ورد في سفر حزقيال 21:26 عن استخدام الأسهم في التنجيم، حيث كان "ملك بابل يقف عند مفترق الطريق ليستخدم العرافة...".
وقالت: "الكلمة العبرية المستخدمة لـ‘مفترق الطريق’ هي ‘إم هديريخ’، أي ‘أم الطريق’. وهذا يتقاطع بشكل مذهل مع وجود هؤلاء النساء المدفونات عند نقطة تقاطع طرق".
مقبرة رمزية عند مفترق طرق
ووصفت إريكسون الموقع بأنه ملتقى طرق رئيسي، وأن اختيار مكان الدفن عند مفترق الطرق قد يحمل دلالة رمزية أو دينية، وربما ارتبط بممارسات العرافة أو تقديم قرابين بشرية.
وختمت الباحثة تصريحها بالتأكيد على أهمية هذا الاكتشاف، قائلة: "نعتقد أن لدينا أدلة قوية لربط هذه القطع الأثرية بممارسات العرافة والتجارة القادمة من اليمن. إنه اكتشاف مذهل وغير مسبوق في النقب".